أزمة بين الولايات المتحدة وإسرائيل بسبب العلاقة المستجدة بين تل أبيب والصين

امتد التنافس الصيني- الأميركي إلى كل مناطق العالم تقريبًا، متجاوزًا الاقتصاد إلى الدفاع والثقافة والتكنولوجيا. وباتت الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة، فأصبحت علاقة تل أبيب ببكين مصدر ازعاج لواشنطن.

“إيلاف” من بيروت: تطرق المؤرخ الأميركي آرثر هيرمان في مقالته الأخيرة بعنوان “المأزق” إلى التوتر الحاصل بين إسرائيل والولايات المتحدة، ومن أسبابه كما عللها هي علاقة تل أبيب بالصين، المنافس الجيوسياسي الرئيسي للولايات المتحدة. كذلك، سجل هيرمان بعض الجوانب الإشكالية من عدم الثقة، أرجعها إلى المظالم القديمة ضد الدولة اليهودية بما في ذلك قضية جوناثان بولارد في ثمانينيات القرن الماضي، وأزمات تصدير الأسلحة الإسرائيلية إلى الصين في أوائل الألفية الثانية ومنتصفها.

أسلحة إسرائيلية

ينطلق الجنرال الإسرائيلي المتقاعد عساف أوريون مما تطرق إليه هيرمان، ليذكر في تحليل مطول أن إسرائيل لم يربطها في عقودها الأولى من التأسيس أي علاقة تُذكر بالصين، القوة الشيوعية التي وقفت إلى جانب العرب رسميًا.

بعد أن اختارت إدارة الرئيس الأميركي الراحل ريتشارد نيكسون التعاون مع بكين في سبعينيات القرن الماضي، بدأت إسرائيل تصدير العتاد العسكري إلى الصين بمباركة واشنطن.

تغير هذا الوضع، كما يشير الجنرال الإسرائيلي، بحلول بداية العقد الماضي، حيث بدأت الولايات المتحدة اعتبار الصين منافسًا عسكريًا محتملًا، وبدأت تنظر إلى صادرات الأسلحة الإسرائيلية بأنها تشكل خطرًا محدقًا على القوات الأميركية والاحتياجات الاستراتيجية. هذا يقودنا إلى المرحلة الحالية التي انتقلت فيها أميركا من حقبة محددة أساسًا بالحرب العالمية على الإرهاب إلى عصر المنافسة مع الصين.

تنافس شرس

ينصب التركيز الجديد لاستراتيجية الأمن القومي الأميركي التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترمب في عام 2017 على المنافسين القريبين في آسيا والمحيط الهندي، وتدعو إلى تعزيز القوة النووية والبحرية والجوية والفضائية، والقدرات السيبرانية. وتسرد الاستراتيجية عددًا من التقنيات الناشئة التي يمكن أن تضمن القيادة الاقتصادية والهيمنة العسكرية لأميركا في المستقبل من التطبيقات التجارية إلى العسكرية.

بالمثل، أعلن رئيس مجلس الدولة الصيني لي كه تشيانج في مايو 2015 خطة استراتيجية تستهدف زيادة القدرة التنافسية لبلاده في الصناعات المتطورة والتكنولوجية تحت شعار “صُنع في الصين 2025”. بمعنى آخر، تبنت كلتا القوتين العظميين في الفترة الأخيرة وجهة نظر موسعة بشكل كبير حول أمنهما القومي وكلاهما يهدفان إلى الهيمنة التقنية الإستراتيجية.

تسعى الولايات المتحدة إلى زيادة علاقاتها الاقتصادية مع الصين حين يكون لها مصلحة في ذلك، ولهذا الغرض تشارك في مفاوضات صعبة نذكر منها اتفاق التجارة مع بكين الذي ما يزال حاليًا في مراحله الأولى. في مجالات أخرى، تسعى واشنطن إلى منع وصول الصينيين إلى الاقتصاد الأميركي وغيره من الاقتصادات العالمية، والدفاع بقوة ضد التجسس عبر الإنترنت، والتهديدات لسلاسل التوريد الحساسة.

أما في ما يتعلق بقضايا المجالات المعقدة والديناميكية للعلوم والتكنولوجيا، يظهر التفكير الأميركي بأنه أقل اندفاعًا، حيث ستكون هناك حاجة إلى مزيد من الوقت والدراسة قبل صوغ استجابة ملائمة للسياسة التي يجب اتباعها ضد الصين. لذلك، تُشكل تحالفات وشراكات مع دول صديقة للمساعدة في مواجهة هذه التحديات المختلفة بشكل مشترك.

فجوة بين حليفين

يرجع التعاون الأمني بين الولايات المتحدة وإسرائيل إلى ذروة “الحرب الباردة”، عندما كان يُنظر إلى الدولة اليهودية في واشنطن على أنها حائط صد ضد النفوذ السوفياتي في الشرق الأوسط ومناهض للقومية العربية. وعلى الرغم من أن العالم تغير منذ ذلك الحين، فإن المنطق الاستراتيجي للتحالف بين إسرائيل والولايات المتحدة لم يتغير، لكن بدأت تشوبه بعض التحديات الخاصة من حيث التوقعات، والتواصل المتبادل، والعمليات والسياسات المتفق عليها في الإطار الاستراتيجي.

وجد استطلاع أجراه مركز “بيو” للدراسات أن 26 في المئة من الأميركيين يمتلكون رؤية إيجابية عن الصين. وعلى النقيض من ذلك، فإن الأرقام المقابلة في إسرائيل تظهر نتائج معاكسة تمامًا، حيث عبر 66 في المئة من الإسرائيليين عن نظرتهم الإيجابية حيال بكين.

تبقى الاختلافات في مستويات “تصور التهديد” طبيعية بين الأصدقاء والحلفاء. وعلى سبيل المثال، تشكل إيران أكبر تهديد للأمن القومي الإسرائيلي، لكن في القائمة الأميركية، تحتل إيران المرتبة الرابعة من حيث التهديد، خلف الصين وروسيا وكوريا الشمالية. وفشل إصرار إسرائيل المستمر منذ سنوات للحشد ضد الأنشطة الإرهابية لإيران في التأثير على التركيز الأميركي بإيلاء هزيمة تنظيم داعش الأولوية.

على مدى العقد الماضي، كانت إسرائيل تسعى إلى تطوير موانئها. وفي أواخر عام 2015، عندما وقعت عقد إيجار مع شركة SIPG الصينية مدته 25 عامًا لإدارة عمليات رصيف الحاويات الجديد في حيفا، لم تواجه أي اعتراض من واشنطن. لكن، مع نشر استراتيجية الأمن القومي الأميركية في عام 2017، أصبحت القرارات السابقة التي اتخذتها إسرائيل تُرى فجأة في عيون الولايات المتحدة على أنها تخدم القوة المنافسة. وبذلك، تم تقييم ميناء حيفا على أنه تحدي من الصين للهيمنة البحرية الأميركية وكخطوة داعمة لمبادرة الحزام والطريق الاستراتيجية الصينية.

دعوة لليقظة

لا تمتلك وكالات الاستخبارات الإسرائيلية المعلومات الكافية عن الصين كما تفعل أميركا. لذلك يرى أوريون أن على الولايات المتحدة تقديم الدعم السياسي والاستخباراتي لإسرائيل لتقريب وجهات النظر. وسيساعد مثل هذا الدعم، برأيه، في وضع صادرات إسرائيل الدفاعية الحالية إلى آسيا في سياق اهتمام أميركا ببناء قدرات الشريك في المحيط الهادئ، دون مطالبة تل أبيب بتبني موقف عدائي علني تجاه الصين على وجه التحديد.

يفترض أوريون أن الصين قد تسبب أزمة أميركية – إسرائيلية، معتبرًا أنه على الرغم من قصص النجاح المبهرة، كما هو الحال في الحرب الإلكترونية المشتركة ضد المشروع النووي الإيراني ومشروع القبة الحديدية ومنظومة “آرو” للدفاع الجوي، لا تزال إسرائيل تعتبر منافسًا لأميركا في مجال تصدير الأسلحة الدفاعية.

يضيف: “لهذا السبب نحتاج إلى بذل قصارى جهدنا لمنع تطور مثل هذه الأزمة، والبحث عن طرائق جديدة للتعاون، والبناء على الإمكانات الكبيرة للنمو والفرص المشتركة”.

يقول أوريون إن إسرائيل لا تستطيع ولا تحتاج ببساطة إلى تجاهل الإمكانيات الاقتصادية للصين. وعليها مع الولايات المتحدة، إشراك الصين والاستفادة من ثروة هذا البلد الكبير وأسواقه ومزاياه الأخرى. وفي الوقت عينه، ومثل معظم الدول الصغيرة والمتوسطة، على إسرائيل أن تحمي نفسها من المخاطر التي تحمل توقيع سياسات وممارسات القوة الصينية.

يختم: “في ظل هذه الخلفية، وفي ضوء سعي الحكومة الأميركية والإسرائيلية إلى ضبط السياسات ومواءمتها، تلوح في الأفق فرصة لتعزيز التعاون الاستراتيجي. ربما تلعب إسرائيل وأصدقاؤها الأميركيون دورًا مفيدًا هنا من خلال استخدام العقل والتنسيق المتبادل. ويجب أن يكون الهدف هو معالجة المخاوف المتبادلة، وتخفيف المخاوف المشتركة، ومراقبة الأفق الجديد، لتعزيز الصداقة مع الولايات المتحدة والتعاون والدعم المتبادل”.

أعدت “إيلاف” هذا التقرير عن “موزايك ماغازين

مقالات ذات صلة

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com