بدأت رحلة ناتاشا نويل مع التعافي في عمر 21، بعدما تغيرت مشاعر صديقها الحميم وافترقا. وكان هذا هو الوقت المناسب لتتعامل مع كل المشاعر المتضاربة بداخلها. لكن الجراح كانت غائرة. ففي عمر الثالثة والنصف، رأت أمها وهي تضرم النيران في نفسها. وأُرسل والدها المصاب بالفصام إلى دار رعاية، وانتقلت هي للعيش مع والديها الروحيين. وفي السابعة تعرضت للاغتصاب ولم تذكر الأمر لأحد. كذلك تكتمت على تعرضها للتحرش الجسدي وللمس في مواضع غير لائقة. وقالت في حوار مع بي بي سي: "طغى على طفولتي الإحساس بالذنب والكثير من الألم. كنت دائما ألوم نفسي". "أحببت أن أكون ضحية لأنه يقربني من الإحساس بالألم. شعرت أنني أستحق ذلك". وعاشت سنوات من فقدان الثقة في جسدها، حتى وجدت الخلاص في الرقص، الذي منحها طريقا لتعبر عن نفسها بثقة. تدربت على الجاز، والباليه، والرقص المعاصر في أحد المعاهد المحلية في مدينة مومباي الهندية. لكن مشوارها انتهى بإصابة في الركبة، منعتها عن الاستمرار في الرقص. كما توقفت عن الدراسة في مرحلة حرجة، بعد معاناتها من اضطراب القراءة والتنمر في المدرسة. وعند تخرجها، اقترحت عليها أمها البديلة أن تعمل في التدريس لأنه يضمن بعض الأمان الوظيفي. مصدر الصورةNATASHA NOELImage captionناتاشا قاومت الاكتئاب والقلق لسنوات عديدة وتقول ناتاشا إن أسرتها الجديدة منحتها الكثير من الحب بالشكل الذي رأوه مناسبا، لكن هذا لم يكن ما تحتاجه. "كان الأمر يتعلق بي أنا. لم أكن جاهزة لتقبل الأمر ولم أتحدث أبدا عما بداخلي". وتابعت: "بالتأكيد لم أكن جاهزة للعمل في التدريس". ثم جاء فراقها عن حبيبها بدافع الرغبة في التغيير ، "وعلمت أنه يجب أن أصبح أفضل". "ملأ الفراغ" وكانت هذه هي المرحلة التي علمتها درساً كبيراً: "عليك الاهتمام بصحتك النفسية لأن لا أحد سيقوم بهذا الدور". وتأقلمت ناتاشا مع سنوات من كره الذات ورفض جسدها. "فالاكتئاب كان يدفعني لتصرفات متناقضة. أحيانا كنت آكل حتى لا أستطيع التنفس ثم أتقيأ. وأحيانا أخرى كنت أجوّع نفسي تماما. أحيانا كنت أنام طوال اليوم، وأحيانا أخرى كنت أعاني من الأرق". وعادة ما يكون المرض النفسي محل تجاهل في الهند، بسبب الوصمة الاجتماعية وضعف الرعاية. وتقول منظمة الصحة العالمية إن الاكتئاب يأتي على رأس الأمراض التي يتم تجاهلها، ويتعرض واحد من كل أربعة أشخاص للمرض النفسي في مرحلة ما في حياته. وكانت ناتاشا قد لجأت للعلاج النفسي في مرحلة سابقة. لكنها قررت هذه المرة أن تتبع أساليب العناية بالنفس. وتضمن ذلك الاحتفاظ بدفتر يوميات لتدوين الأفعال الإيجابية، ودفتر آخر لتدوين أهدافها كنوع من التشجيع. وقالت: "كان الاكتئاب والقلق دافعان للتعافي". "وفي المراحل المتأخرة، كنت أضع لنفسي أهداف يومية صغيرة، مثل تمشيط شعري أو الخروج من البيت للمشي خمس دقائق". مصدر الصورةNATASHA NOELImage captionناتاشا تقول إن السر يكمن في تقبل الذات وفي الأيام التي فشلت في تحقيق أي من الأهداف المدونة، كانت تعامل نفسها بقدر أكبر من التسامح. "وتعلمت أن أتسامح مع الفشل، والمحاولة مجددا في اليوم التالي. تدربت على حب الذات حتى أصبح طريقي الوحيد". وكان هذا هو الفرق الأبرز في طريقة تعاملها مع الأمور. "أتذكر عندما سألني المعالج النفسي كيف حالك. كنت أرد: بخير. وأنت؟". وتابعت: "اعتدت على إعطاء الحب للآخرين، ولا شيء لنفسي". "التعافي عن طريق اليوغا" أصبحت اليوغا (التأمل) جزءا هاما من رحلة ناتاشا للتغلب على الاكتئاب والقلق. وعلى مدار سنوات، اعتمدت على اليوغا كمصدر للقوة الجسدية والنفسية. وتقول: "بعد إصابتي، لم يعد بمقدوري الرقص أو ممارسة أي نشاط بدني. ورأيت صورا لنساء حول العالم يتمتعن بقوام رائع، وفكرت في أن الأمر رائع". وأرادت أن تحقق هذا الهدف، خطوة خطوة. وكان ذلك يعني التحول من التركيز على المظهر الخارجي إلى تدريبات التحكم في التنفس، لتحقيق صفاء الذهن. "وتساعدني تدريبات اليوغا على الحفاظ على الاتزان الذهني. العملية كانت بطيئة، لكن التقدم كان مشجعا". وبعد مرور خمس سنوات، أصبحت ناتاشا في حال أفضل. مصدر الصورةNATASHA NOELImage captionناتاشا ترى أن اليوغا ساعدتها على التعامل مع المواقف التي تسبب التوتر "واليوم، أحافظ على تمرينات اليوغا في الساعات الأولى من اليوم مهما تطلب ذلك، وأخصص بضع دقائق للتأمل". أصبحت الأيام أقل توترا. والتدريبات ساعدتها على حب نفسها بشكل غير مسبوق. وقررت ناتاشا التحول إلى مجال أساليب المعيشة، وتعمل على أن تصبح مدربة يوغا. "انتشلت نفسي" ناتاشا الآن في الـ 27 من العمر. ما زالت تمر ببعض الأيام الصعبة، لكنها تعلمت المثابرة. أصبحت معلمة يوغا، وأحد الداعمين النشطين للوعي بالصحة النفسية، وإحدى الشخصيات المؤثرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وتقول إن رحلتها بدأت من تقبل الذات. وكتبت في مقدمة حسابها على إنستغرام: "ما تقوله عني سبق وخطر في بالي عن نفسي، وربما أسوأ". وتروج عبر هذا الحساب لترسيخ الصورة الإيجابية عن الجسم، ويتابعها 245 ألف شخص، تشجعهم جميعا على ممارسة اليوغا. كما أنه مساحة تروي من خلالها تجاربها الشخصية وتعبر عن أفكارها وحالتها المزاجية. "كنت دائما أكرر في ذهني أنني الضحية. لكنني انتشلت نفسي. ولم ينجح أحد في انتشالي سواي". وما زالت تتعرض للتنمر من قبل البعض ويقولن إنها "بلا شخصية"، و"لا تستحق"، و"سهلة"، و"ليست جميلة". لكن الآن، لم تعد ناتاشا فريسة للقلق، "وغيرت من نظرتي، وأصبحت أجتهد لأتحسن". وأضافت: "تطلب الأمر عشرين عاما حتى أصل إلى حالتي الراهنة، وما زلت بحاجة للمزيد من العمل. أنا أتعافى، وأخطو خطوة واحدة في هذا الاتجاه كل لحظة".