تتسيد ساحات الثورة: نساء لبنان… في صلب صنع التاريخ
ثبت حضور المرأة اللبنانية في الثورة صورة المرأة اللبنانية الحاضرة في الصفوف الأمامية، تفرض رأيها ومنطقها، وتعرف أن في الميدان تنتزع حريتها الحقيقية.
«نعم، نحن نساء لبنان… إننا في صلب صنع التاريخ»… هكذا عقبت الإعلامية راغدة درغام لـ«إيلاف» على الحضور الواسع الذي تحققه المرأة في الثورة اللبنانية الحالية.
الثورة في لبنان غيرت الصورة النمطية للمرأة اللبنانية
منذ ليل الخميس 17 أكتوبر الجاري، مع اندلاع الشرارة الأولى للثورة اللبنانية، أكدت المرأة اللبنانية أنها شريكة فعلية وحقيقية في الوطن وفي رسم حاضره ومستقبله، وفي الحراك المدني الطامح إلى بناء دولة مدنية، فنزلت إلى الشوارع ومشت في التظاهرات، وشاركت في أقفال الطرقات وإشعال الإطارات المطاطية، مطالبة بحقوقها كما بحقوق كل اللبنانيين.
نحن الجميلات
تقول درغام لـ«إيلاف» إن نساء لبنان في هذه التظاهرات “لسن فقط الجميلات منهن اللواتي لفتن نظر الذكورية العربية، أنا كنت في ساحة الشهداء حيث عانقت تلك الأم مع طفلها الرضيع، وتلك الجدة مع حفيدها، وعانقت المحجبة وتلقيت قبلات من تلك التي تسلقت الأكتاف”.
اللبنانيات من جميع الأعمار في ميادين الثورة
كان الدور الذي تؤديه المرأة اللبنانية في الثورة اليوم جليًا، وكان حجم مشاركتها بارزًا وفاعليتها أكيدة، من منطلق الوعي النسائي اللبناني بحقوق المرأة وواجباتها تجاه مجتمعها، ومن منطلق تأكيد قول المساواة بالفعل، وحمل لواء النضال لتحصيل الحق البديهي بحياة كريمة، ولنيل حرية حولتها المرأة اللبنانية من مجرد شعار إلى فعل إيمان بأن لا حرية إن لم تؤخذ بالقوة.
تضيف درغام أن نساء لبنان “حملن شعارًا لأولادنا وهن يأخدن أطفالهن إلى التظاهرات. إنهن في الصفوف الأمامية يواجهن قوى الأمن بشجاعة الابتسامة والتشجيع حماية للصفوف الخلفية من المتظاهرين وصوت لسلمية مسيرة لبنان ينتفض”.
لم يقعدها عجزها عن التعبير في الميدان
تختم درغام حدثها: “نعم، نحن نساء لبنان الجميلات في انتفاضتنا الواعية على الخوف والانصياع والعفن والانجراف. إننا في صلب صنع التاريخ واتخاذ القرار المصيري لبلادنا. نعم، نحن نساء لبنان”.
الثورة ثورتهما أيضًا
تعبير عن رفض
تشارك المرأة اللبنانية في الثورة الحالية، على المستوى التنظيمي وعلى مستوى قيادة الحراك على الارض.
وتقول الناشطة النسوية علياء عواضة لـ «إيلاف» إن هذه المشاركة تشكل امتدادا للحراك الذي سجلته الحركة النسوية في لبنان خلال السنوات الماضية «ومشاركة المرأة في هذا الحراك تعبير عن رفضها لهذا النظام الذي يحاول قمعها طوال الوقت اجتماعيًا واقتصاديًا وجسديًا لدى الحديث عن العنف المنزلي وخارج المنزل الذي يمارس ضد النساء”.
تقول: «المرأة جزء من الحراك الاجتماعي وليست كائنًا منفصلًا. العنف الاقتصادي والمعنوي والاجتماعي الذي يمارسه النظام على المرأة هو مضاعف».
مثيرة للجدل
حضرت المرأة اللبنانية في التظاهرات والتحركات، حضرت الصبية الجامعية، والفتاة المدرسية، والأم مع أولادها، والجدة مع حفيدها، فكانت عونًا لشباب الثورة، مناضلة غيرت جذريًا صورة نمطية كانت تسود في أذهان كثيرين، تزعم أن نساء لبنان رومنسيات، لا يتكبدن المشقات، ولا همّ لهن سوى التسوق والتجمل والتزين. فمثلت الصور التي انتشرت عن الثورة والثائرات في لبنان صدمة لكثيرين، بدءًا من الليلة الأولى.
المشاركة النسائية في الثورة فاجأت كثيرين
تقول الناشطة النسوية رؤى دندشي إن مشاركة النساء في الثورة كانت دائمًا مثيرة للجدل، “فوضع المرأة في الأسرة والمجتمع والسياسة والاقتصاد موضوعٌ للجدل في لبنان حيث أن السلطة الحالية عكست فسادها تدهورًا لوضع النساء في المنطقة مقارنة بدول عربية أخرى. تبقى المبادرات التي أتت على تحسين وضع المرأة من قبل السلطة خجولة”.
تضيف: “الوضع الاقتصادي المزري الذي طال جميع فئات المجتمع كان الدافع الأساسي للجميع للنزول الى الشارع. نرى المرأة في الصفوف الأمامية. لماذا؟ لأن معاناتها أشد بأضعاف من معاناة أي مواطن آخر، ولا أحد يشعر بمعاناتها. هذه الدولة لا تعتبر حقوق الانسان من أولوياتها، فكيف يكون وضع المرأة في نظر السلطة الذكورية؟”
فتيات صور يقفلن الطريق
عقلانية
بحسب دندشي، نرى المرأة اللبنانية في المواجهة لأنها عقلانية في الدفاع عن مجتمعها ولأنها تلعب دورًا حمائيًا على الرغم من سخطها على السلطة وغضبها منها. تقول: “في شمال لبنان المعاناة أشد. الفقر مدقع والآفات الاجتماعية في ازدياد. صنعت النساء رموزًا جيدة في هذه الثورة لأنهن لم يستطعن تولي مناصب أو المشاركة رسميًا في السياسة. نزولهن والوقوف في الصفوف الأمامية يعني أن الزعيم السياسي ذكر وهو من أوصل النساء الى هذه الحالة من الشعور بالضعف والغلبة”.
الثورة في دمها
النساء فضلن أن يصبحن رموزًا حقيقية وثورية لهذا الحراك بدلًا من رموزٍ أهانهتن وأظهرتهن أداة إثارة وإغراء، تقول دندشي، وتضيف “والتاريخ اللبناني مليء بأسماء نساء أتيحت لهن الفرصة ولعبن أدوارًا مفصلية في الحقبات الماضية”.
أيقونتان
شهد ليل الخميس، مع بدء الاحتجاجات، صدامًا بين المتظاهرين ومرافقي وزير التربية أكرم شهيب، فتحولت إحدى المتظاهرات إلى أيقونة بطولة، حين ركلت مرافق شهيب في بطنه، من دون أن تخاف “الكلاشينكوف” الذي يتسلح به.
في الأيام الأولى للثورة، ظهرت أيقونة أخرى… امرأة كهلة طغت جرأتها على منطقها، فشقت الصفوف لتصل إلى قوى مكافحة الشغب اللبنانية التي تواجه المتظاهرين في ساحة رياض الصلح، وتوجهت إلى أحد الضباط لتخاطبه بمشاعر الأمومة الخائفة عليه خوفها على أولادها الذين يعدون بالملايين في ساحات الاعتصام. لا شك في أن هذه المرأة تركت وقعًا مؤثرًا في قلوب الثوار والثائرات.
ليست الساحات للصراخ ضد السلطة فحسب. فالمرأة اللبنانية اخترعت أنواعًا أخرى من الاعتراض: بصورة، برقصة، بأغنية مختلفة، بإضاءة الشموع، بالتقاط الصور التذكارية أمام الإطارات المحترقة، وحتى بإحياء زفافها في ميادين الثورة، لتقول للجميع: “أنا هنا، نصف لبنان، نصف مستقبل البلد، وليس من يتجاوز إرادتي”.
عروس حضر عرسها مليون لبناني